القيم المؤسسية Institutional Value
الثقافة المؤسسية Institutional Culture
مقدمة عن القيم المؤسسية
القيم المؤسسية Value Institutional من أشهر المفاهيم والمصطلحات الإدارية التي نتداولها بكثرة هذه الأيام، ومعها وبنفس القدر الثقافة المؤسسية Institutional Culture، إلا أن الأولى أكثر قرباً منا، لأننا نتخاطب بها في مكاتبنا ومواقع أعمالنا، أو كثيراً ما نقرأها أو نجدها مذكورة في وصف المؤسسات والشركات.
كثيراً ما نجد وصفاً للقيم المؤسسية ضمن فقرة "من نحن" في مواقع وبوابات المؤسسات، أو نسمع عنها في اعلاناتها التسويقية أو مذكورة في غيرها من وسائل الإعلان، ضمن خصائص ومميزات إدارتها الاستراتيجية، لتأتي عادة في الفقرة ثالثاً مقرونة بكل من الرؤية والرسالة في الفقرتين الأولى والثانية على التوالي. فما هي القيم المؤسسية، وما هي علاقتها بالأخلاق البشرية وآدابها العامة من جهة، ومن الجهة الأخرى علاقتها بمعالم ومحددات الثقافة المؤسسية.
للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها، كان لا بد لي من ربط مفهوم القيم بمفاهيم أخرى يتم تداولها بين ظهرانينا، وأحياناً يتم ذكرها دون التوقف لمعرفة ماهية بعض هذه المفاهيم والمصطلحات، ودورهما تجاه أكثر المفاهيم شهرة هذه الأيام، وهي "حوكمة المؤسسات"، وهي حقيقة كذلك، لأنها عبارة عن خصائص محددة المعالم، تستمد قوتها من الدساتير الوضعية، لديها هيكلية من ستة خصائص أو مرتكزات، لا تُحيد عنها.
قبل الإجابة على هذة الأسئلة، علينا الانتباه إلى أن مفردة "الحوكمة المؤسسية" تُستخدم في الكيانات المؤسسية والشركات، وبعض القطاعات الحيوية؛ كالإقتصاد والصحة والتعليم، وبالطبع على مستوى المؤسسات التعليمية، للإشارة إلى المرحلة التي تصل إليها المؤسسات والشركات من تحقيق أعلى مستويات النضج الإداري، وتتضح معالم هذه العلاقة من واقع الخصائص التي تؤثر فيهما معاً من مفاهيم القيم والثقافة المؤسسية، أي منطلقين من ارتباط "الحوكمة" بالأعمال المؤسسية.
في مقال آخر، قد نضطر إلى نسف بعض الاعتقادات الخاطئة، والتي يذهب إليها كثير من الناس، كربط "الحوكمة" بالتكنولوجيا إبتداءً، أو إطلاق بعض الأوصاف والمصطلحات المرادفة غير الصحيحة، مثل الحكومة الإلكترونية مثلاً، حيث لا يمكن تبني وتطبيق مفاهيم "الحوكمة" إلا على وحدات العمل المؤسسية، التي تتمتع بهيكلية تنظيمية ووظيفية معاً، وتحكمها قوانين وتشريعات دستورية ولوائح عمل يتم صياغتها ونشرها وإدارتها وفق نظم إدارية محكمة.
إلا أنني في هذا المقال، سوف أقدم شرحاً كافياً للمفهومين:
أولاً: الثقافة المؤسسية Institutional Culture
ثانياً: القيم المؤسسية Value Institutional،
واستعراض حديثاً موجزاً للتعريف بهما ، حتى يتسنى لي اسقاط دورهما واضحاً تجاه ترسيخ خصائص ومتطلبات الحوكمة المؤسسية، مع ذكر بعض الفروق الضرورية بينهما والعلاقة التي تجمع بينهما.
اولاً: الثقافة المؤسسية Institutional Culture
من الطبيعي أن مبدأ تبني وإرساء ثقافة مؤسسية ناجحة، يساعد في العديد من التحسينات الأخرى التي تؤدي عند نجاحها إلى تأثير الناجح على خصائص الحوكمة بالمؤسسات والشركات، وخاصة فيما يتعلق بالقيم والمعتقدات، لارتباطهما بالريادة والشهرة الطيبة والسمعة المحلية/الإقليمية/العالمية، ومن أهم الخصائص الرئيسية للثقافة المؤسسية.
- القيم والمعتقدات: وتتضمن القيم المؤسسية، والتي سنتحدث عنها بالتفصيل في الفقرة ثانياً: إلى مدى ارتباطها بالمعتقدات الأخلاقية والأفكار التي تُؤمن بها الموارد البشرية لترسيخ سمعة وشهرة أي مؤسسة أو شركة، لأن القيم والمعتقدات التي تعمل عليها الوحدات المؤسسية تُعتبر من الأساسيات التي تُشكل نظرة كل من كان خارج حدود أصحاب المصلحة المباشرين للمؤسسة أو الشركة، لأنها تأتي تدخل ضمن طريقة تفكير وسلوك الموظفين العاملين، لهذا فهي تأتي ضمن تداعيات تحقيق النجاح لتأثيرها المباشر على أهداف المؤسسة.
- التواصل والاتصال: تُعتبر قنوات التواصل الناجحة وسرعة إجراء عمليات الاتصال، من خصائص الثقافة المؤسسية الناجحة، لأنها تؤثر على كيفية تفاعل الأفراد داخل المؤسسة، وكيفية التواصل بين وحدات العمل نفسها ومستويات المهام الوظيفية المختلفة، بالإضافة إلى سهولة تنفيذ أنشطة العمليات والمعاملات ومبادلتها مع العملاء.
- السلطة والتحكم: تحدد كفاءة تبني وتطبيق مفهوم الثقافة المؤسسية، مدى جدارة وفاعلية التعاطي مع مستويات السلطة والتحكم المختلفة داخل المؤسسة، كدور القيادة ومسؤوليات مهام المرؤوسين، بما في ذلك كيفية اتخاذ القرارات وتوزيع السلطة والمهام الوظيفية بين كافة أفراد الموارد البشرية.
- التعلم والتطوير: أحد أهم الخصائص لقياس مؤشرات الأداء الرئيسية المتوازنة، لهذا يتطلب نجاح تقديم المؤسسة لفرص التعلم والتطوير وصقل المواهب والمهارات للموظفين، إلى نجاح الثقافة المؤسسية، كما يمكن اعتماد العكس، في تعزيز الثقافة المؤسسية لدى المؤسسة باعتمادها على مواردها البشرية الماهرة.
- الالتزام وروح العمل ضمن فرق العمل: يمكن أن تعزز الثقافة المؤسسية الالتزام بأهداف المؤسسة وتعزيز روح الشراكات الداخلية والخارجية، بالانضباط والاستمرارية، التأكيد عليها بين الموظفين وفي بيئة المؤسسة ومختلف شرائح شركائها الفاعليين.
- التنوع والشمول: من صور الممكنات المعنوية الضرورية لأي مؤسسة/شركة، هي في قناعاتها الأخلاقية على قبول أو رفض الاختلاف، حيث أن مدى التقبل للتنوع ودعم الشمول الإيجابي في بيئة العمل، ليُعد أمراً في غاية الأهمة، باعتبار التنوع والشمول من القناعات والمعتقدات التي قد تكون راسخة بين الموارد البشرية، لتعكسها بدورها المؤسسة/الشركة من خلال ثقافتها المؤسسية.
- الابتكار
والمرونة: قد تشجع
بعض الثقافات المؤسسية على الابتكار والتجديد، في حين قد تكون ثقافات أخرى أكثر
تشدداً، وتعقيداً، لتحافظ على استقرارها وجمودها.
وهكذا نجد أن الخصائص الرئيسية للثقافة المؤسسية، تعمل مجتمعةً إلى تعزيز العلاقات المتعلقة بالاتصال بين وحداتها الداخلية، وإرتباطها بعملائها وشركائها الخارجيين، كما تؤثر الثقافة المؤسسية بشكل كبير؛ على مؤشرات الأداء الرئيسية وبالتالي على سمعة/شهرة المؤسسة بشكل عام،
على ضوء مما تقدم يمكننا صياغة تعريف بسيط لمفهوم
الثقافة المؤسسية Institutional
culture
{{مجموعة القيم والعادات والمعتقدات
التي تشكل البيئة الداخلية للمؤسسات والشركات، حيث تتأثر الثقافة بتاريخ
المؤسسة وقيمها الأساسية وبعض تفضيلاتها التي تتمتع بها باعتبارها مبادئ توجيهية دون غيرها}}
دور الثقافة
المؤسسية Institutional
culture
تجاه ترسيخ خصائص الحوكمة المؤسسية.
نجد أن خصائص الثقافة
المؤسسية Institutional culture تلعب دوراً حيوياً في ترسيخ متطلبات الحوكمة
المؤسسية، حيث يتعلق دورها بالكيفية التي تُدير بها المؤسسة أنشطة عملياتها اليومية،
وما إذا كانت المؤسسة تراعي مقدرات السلطة والتحكم عند اتخاذ القرارات الإدارية، لتُشكل تلك العلاقة الخصائص الوظيفية للحوكمة، كما في النقاط التالية: -.
- الثقافة المؤسسية تجاه النزاهة والأخلاقيات: إذا كانت الثقافة تشجع على النزاهة والأخلاقيات، ستكون المؤسسة أكثر قدرة على ترسيخ مبادئ الحوكمة المؤسسية، بما في ذلك اتخاذ القرارات بنزاهة تراعي فيها اتباع الممارسات الأخلاقية.
- الثقافة المؤسسية تجاه الشفافية: إذا كانت الثقافة تشجع على الشفافية وفتح جميع قنوات الاتصالات، فإن ذلك يسهم في تعزيز مبدأ الشفافية ضمن هيكلية الحوكمة المؤسسية.
- الثقافة المؤسسية تجاه المسؤولية: إذا كانت الثقافة تعزز مفهوم المسؤولية الفردية والجماعية، سيتم تعزيز مبدأ المسؤولية التي تطالب به هيكلية الحوكمة المؤسسية.
- الثقافة المؤسسية تجاه توزيع السلطة والتوجيه: تؤثر الثقافة على كيفية توزيع السلطة داخل المؤسسة وكيفية توجيه هذه السلطة، إذا كانت الثقافة المؤسسية المطبقة مرنة وتشجع على التواصل الفعال، فإن توزيع السلطة واتخاذ القرارات قد يكونان أكثر فعالية.
- الثقافة
المؤسسية تجاه الالتزام بحقوق المساهمين: إذا كانت الثقافة تشجع على التفاعل
الإيجابي مع جميع أطراف وأصحاب المصلحة بالمؤسسة، فإن هذا الأمر سيُعزز الالتزام
بالشفافية والمساواة عند توزيع الأرباح بين المساهمين، وبالتالي سيدعم هذا الالتزام بحقوق المساهمين مبادئ حوكمة مستدامة.
يقودنا ما تقدم إلى أن تكامل الثقافة المؤسسية، يُساهم بشكل فعال، على ترسيخ مبادئ الحوكمة المؤسسية، وذلك لارتباط الثقافة بالقيم والمعايير التي ينبغي أن تسهم في توجيه وإدارة المؤسسة نحو تحقيق أفضل مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs) في سبيل تحسين معايير النتائج النهائية، مع عدم إغفال الدور الأخلاقي في منظومة الثقافة المؤسسية، وخصائص هيكلية الحوكمة.
ثانياً: القيمة المؤسسية Institutional Value
هي مجموعة
القيم الأخلاقية العامة المشتركة، المنبثقة أو التي تشترطها الثقافة المؤسسية من
بين خصائصها، وهي التي تُعبر بها الكيانات المؤسسية عن جانب مهم من جوانب ترسيخ ثقافتها
المؤسسية، لهذا تعمل المؤسسات الكبرى جاهدة على إرسائها بين مواردها البشرية، مع نشرها
للجمهور وأصحاب المصلحة المعنيين بها.
أي للتحكم
في سمعتها وشهرتها وسلوك العاملين بها، من خلال صقلها وصيانتها والتأكيد عليها، مع
كل دورة من دورات إدارتها وخططها الاستراتيجية، تعزيزاً، وترسيخاً، لمبادئها التوجيهية التي تتبناها وتعمل عليها لتقدمها نحو آمالها تجاه تحقيق ريادتها وميزتها
التنافسية.
القيم
الأخلاقية لدى الأفراد الأسوياء، عبارة عن خصائص مشتركة للآداب الإنسانية العامة، لهذا
يتم إطلاقها في نفس الوقت على المؤسسات، أو يتم الاستعانة بها لتشكل قيماً مؤسسية،
لأنها تحمل في مضمونها الخصائص المشتركة - كالصدق - والمرونة - والشفافية – والتعاون
- والسرعة - والعدالة - والحرفية - والعمل بروح الفريق – والمسؤولية – والابتكار -
والمساواة - والمساءلة... وغيرها الكثير، باعتبارها قيم مؤسسية؛ إما خصائص أخلاقية
راسخة لدى مواردها البشرية، أو قيم ذات تطلعات إدارية تحكم إجراءات وعمليات منظومة
العمل بالمؤسسة.
لهذا تعتبر
المؤسسة كل حالة، ميزة أخلاقية ذات قيمة واقعية سواء كانت قيمة مادية أو معنوية.
كما يشترط في القيمة المؤسسية أن يسهل إدراكها وقياسها أو إسقاطها كقيمة تتمتع بها
المؤسسة وتنفرد بها دون غيرها أو تميزها عن غيرها من المؤسسات المنافسة لها.
أي يمكن اعتبار القيم المؤسسية، قيم لمبادئ توجيهية وسلوكية سائدة داخل المؤسسات، ولكن مع ملاحظة أنها تختلف عند تعريفها عن تعريف القيم الأخلاقية الشخصية في الحياة العامة. والتي تتعلق بخصائص الأخلاق والعقيدة والمشاعر في الثقافة الإنسانية، لتشكل عناصر القيمة المؤسسية في مجموعها قيم واقعية لسلوك جمعي يحكم العاملين بالمؤسسات، سوى كانوا أفراداً في المجتمع أو جماعات تقوم بأنشطة عمليات ومهام مؤسسية.
بالمثل، يمكننا صياغة تعريف مبسط لمفهوم القيمة المؤسسية Institutional Value على النحو التالي.
القيمة المؤسسية Institutional
Value
{{مجموعة القيم العامة
والكفاءات السلوكية المشتركة للآداب الإنسانية والثقافة المؤسسية في آن واحد، والتي تحكم المهام
الوظيفية وأداء العمليات بالمؤسسة. حيث يجب أن يتمتع بها كل فرد بالمؤسسة/الشركة،
بغض النظر عن الاختلاف في العقائد والأعراق والعادات والجنس والتقاليد السائدة بين
مواردها البشرية}}
دور القيم
المؤسسية Institutional
Value
تجاه ترسيخ خصائص الحوكمة المؤسسية.
تعمل
القيم المؤسسية بنفس القدر على ترسيخ خصائص الحوكمة المختلفة، ولكننا في هذا الجزء
سنكتفي بالتأثير العام للقيم المؤسسة تجاه الحوكمة المؤسسية، فعلى سبيل المثال،
تعني قيم الشفافية والمساواة والمساءلة، إلى تدفق من الممارسات العامة، التي يتم
تداولها وتقاسمها والإفصاح أو الإعلان عنها عند المساءلة، حتى تحقق بها المؤسسة
جملة من الأهداف المرتبطة بمنظومة الإدارة الرشيدة (الحوكمة المؤسسية) ومنها: -
ü ترسيخ مبدأ التعاون عند الإفصاح عن السياسات
وآليات اتخاذ القرار بالسليم المؤسسة.
ü وجود أنظمة وقوانين وتشريعات يمكن الرجوع
إليها عند إدارة الموارد البشرية وتوفير البيانات والمعلومات أثناء عمليات التقييم
والمراجعة كصورة من صور العدالة والحرفية والشفافية (نشر البيانات المفتوحة Open Data
في المواقع الإلكترونية / الإنترنت / النشرات / الدوريات).
ü وجود قنوات اتصال مفتوحة وأنظمة إلكترونية
تتمتع بالشفافية، وخدمات ذكية تراعي سرعة الاستجابة لمتطلبات جميع فئات أصحاب
المصلحة والمعنيين والمتعاملين. لتحقق بها المؤسسة أفضل مؤشرات أدائها الرئيسية.
الفرق بين القيمة المؤسسية و الثقافة المؤسسية
القيمة المؤسسية
Institutional
Values والثقافة
المؤسسية Culture Institutional،
عبارة عن مفهومان مترابطان فيما بينهما، أو متعلقان معاً بوحدات العمل والكيانات المؤسسية، لهذا سنجد بينهما تناغماً أو إنسجاماً، أو يكملان بعضهما البعض، ولكن لهما تركيبهما
الخاص، سأذكر هنا الفرق بينهما من حيث وظيفتيهما؛ التعريف، والطبيعة، والتأثير: -
القيمة المؤسسية Institutional Values
التعريف: تشير إلى
المبادئ والقناعات الأساسية العامة، التي توجه تصرفات وقرارات المؤسسة.
الطبيعة: كون قيم
مبدئية لأخلاق عامة، تمثل في مجملها ما يعتبر مهماً وجوهرياً لسمعة المؤسسة.
التأثير: تلعب
القيم دوراً في توجيه السلوك واتخاذ القرارات وتحديد أهداف المؤسسة، يمكن أن تكون
مبادئ توجيهية تعزز من الثقافة المؤسسية.
الثقافة المؤسسية Institutional Culture
التعريف: تشير إلى
مجموعة العادات والتقاليد والسلوكيات التي تميز بيئة المؤسسة وتشكل الطابع الفريد
لها.
الطبيعة: تكون
الثقافة أكثر تحديداً وتجسيداً، وتشمل السلوكيات اليومية للمؤسسة والتفاعلات بين
أفراد المؤسسة.
التأثير: تؤثر
الثقافة على كيفية تحقيق القيم المؤسسية في الواقع العملي، هي الطريقة التي يتفاعل
فيها الأفراد داخل المؤسسة وكيف يعبرون عن الأخلاق العامة في القيم المؤسسية.
بشكل عام، القيم المؤسسية جزء من الثقافة المؤسسية، حيث تشكل القيم الأساس النظري الذي يستند إليه السلوك الأخلاقي، بينما الثقافة المؤسسية تعكس كيف تُعيش وتُجسد هذه القيم وظيفياً في الواقع اليومي للمؤسسة.