استشراف المستقبل Future Foresight
تمهيد
تزايد الاهتمام بالمستقبل ومحاولات خلقه وصناعته وتطبيقه والاستعداد له أو العمل به في الزمن الحاضر، أي قبل حلول الغد أو المستقبل بشكل استباقي، أدى إلى استنساخ مفهوم عالمي جديد، استحوذ على الكثير من اهتمام العلماء والخبراء وعقول الباحثين والأكاديميين، حتى بات يُستخدم ضمن مفردات هذا العصر.
حيث إن مفهوم الاستشراف أو الاستبصار، يُعتبر أحد أهم المفاهيم التي تسبق الاستعانة بأدوات التخطيط الاستراتيجي وآلياته العديدة المستخدمة للتخطيط المستقبلي وتحقيق جملة من الأهداف الإدارية والاقتصادية كمؤشرات التنافسية العالمية والابتكار العالمي.
لهذا فإن عمليات الاستشراف تتم وفق أدوات وآليات مُعتمدة عالمياً، الغاية منها تحديد الاتجاهات والمحركات المستقبلية، وذلك بعد دراسة وتحليل كل من قراءات الماضي واحصاءات واستنتاجات الحاضر سبيلاً إلى فهم المستقبل الغامض أو المجهول بطبيعته. أي عوضاً عن مفهوم "التنبؤ" الذي يستند على المجهول والتنجيم بما لا يدع مجالاً للشك في ارتباطه بعلوم الغيب غير المؤكدة.
بينما يأتي استشراف المستقبل لضمان نمو واستدامة المؤسَّسات والمجتمعات وتعزيز تمكينها من خلال موجهات تحكم كل من المُتَغّيرات الدورية والخطية والفجائية، وكل ما يترتب عليها من اغتنام للفرص ومواجهة التحديات ومعالجة المخاطر قبل حدوثها.
لهذا يطلق بعض الخبراء على الاستشراف الاستراتيجي للمستقبل مصطلح "التطُّلع إلى المستقبل". كما جاء هذا الاهتمام؛ نتيجة لظهور عدة محاولات واتجاهات سابقة في عالم الدراسات والبحوث العلمية.
حيث كانت تلك المحاولات تسعى إلى محاولة الإلمام الجيد بمآل المستقبل المجهول واستكشاف تحدياته ومتطلباته، كمن يتقدم الخطى نحو الشرق الجغرافي مُستشرقاً، أو يتسلق الجبال باحثاً للمعارف والحكمة في قمتها، أو يغوص في أعماق المحيطات، أو يخترق الخنادق والكهوف مُستكشفاً لها.
على أن تُستخدم هذه المعارف المكتسبة من قبل المجتمعات البشرية ونظم الإدارة الراشدة المختلفة التي تدار بها المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة، بل وتحدد بها حكومات الدول المتطلعة عادة لمزيد من التمكين والاستبصار تجاه تحديد وتعيين محركات وتوجهات المستقبل. أو تستطيع بها من تحقيق أهدافها الاستراتيجية بشكل دقيق ومن ثم ترجمتها وصياغتها في الرؤية التي تصيغها لنفسها أو تحديات الرسالة التي تسعى من خلالها إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية في صورة مستجدات ملموسة، بل ومجسدة لكافة التطلعات والآمال والغايات المرجوة منها مع نهاية المدى الاستشرافي الذي ينتهي بانتهاء المدى المستقبلي.
ولما كان صنع القرارات الآنية حول كيفية تغيير الواقع الحاضر للأفضل، يحتاج إلى معلومات راسخة، فإننا في هذه الحالة المتغيرة في أحوج ما نكون إلى تعزيز عامل اليقين في كل ما تشكل من حولنا، من ثوابت وعمليات ومعاملات، أو قد تُشكل لدينا معالم ظاهرية نبني عليها احتمالات حدوثها مع مفاضلتها بناءً على اعتبارات أخرى عديدة، منها الاعتماد على ثقل الماضي ودراسة مدى تأثيره في العادات والتقاليد والمعتقدات، ومن ثم تأثيره في الاقتصاد وفي الحياة، مع عدم إهمال جوانب دراسة وتحديد ومعالجة دوافع العصر الحالي لمعرفة السلوك المستقبلي المستهدف، واسقاطه في حياة كل من الأفراد وفي المجتمع،
ومن الناحية الأخرى التصدي للتحديات والمخاطر التي قد تلحق بالتوجهات في الحياة العامة وفي مستقبل قطاعات العمل المؤسسية المختلفة (الطاقة، الصحة، التعليم، المياه، النقل والمواصلات والاتصالات، التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، بالإضافة إلى مستقبل قطاع الفضاء)
يجب أن تكون عمليات التحليل الدقيق للبيانات والقراءات المستنبطة باستخدام الآليات والأدوات والتقنيات المناسبة لاستشراف المستقبل، قبل تقديمها بشكل صحيح، أو اتخاذ القرارات.
وذلك حتى يمكن تحويل تلك البيانات إلى معلومات ومعارف وحكم قابلة للتنفيذ في نطاق التمثيل المعرفي لمثلث المعرفة المستقبلية.
وهذا النوع من التحول هو ما يُطلق عليه بـ "ذكاء المستقبل" Future Intelligence. عندما يُقرن استشراف المستقبل بمفاهيم التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات الصناعية والإنتاجية والعسكرية. والذي سنتناوله بالتفصيل في الفصل الثالث من هذا الكتاب. مبادئ علم استشراف المستقبل.
علم استشراف المستقبل:
- لإجراء دراسات وبحوث متعلقة بالمستقبل، الغرض منها أن تتنبأ بالأولويات من الأحداث والوقائع المحتملة.
- إكتشاف العلاقات المستقبلية، ما إذا كانت مفضلة أو تُعد من المخاطر غير المرغوب فيها.
- لهذا فهو علم للاستبصار وصياغة سيناريوهات العمل.
- تحديد صورة التوجهات والمحركات المتوقعة للممكنات المستقبلية.
هذا الكتاب يدعو إلى كيفية استشراف المستقبل، بناءً على ضرورة الموازنة لما تم من أحداث في الماضي وما يدفعنا إليه دراسة وتحليل تلك الأحداث أو مدى تأثيرها في كل من الحاضر المعاصر والمستقبل القريب والبعيد.
حيث تتم عمليات الاستشراف بالاستفادة من الأدوات والتقنيات الخمس عشرة التي سنلحقها ضمن الإطار الخماسي لأنماط التطبيق العملي. ونذكرها في فصول هذا الكتاب، حتى يكون دليلاً شاملاً ومفيداً يمكن الاعتماد عليه عند استشراف المستقبل.
قائمة الأدوات والتقنيات المستخدمة في استشراف المستقبل
1) ميثاق المبادرة Initiative Charter
2) تحليل أثر التوجهات Trend Impact Analysis
3) أداة مسح الأفق المستقبلي Horizon Scanning
4) الإستشارة الجماعية Crowd Sourcing
5) التنبؤات المستقبلية الكمية Quantitative Forecasting
6) أداة تحديد النتائج Outcome Identification
7) تحليل المحركات المستقبلية Drivers Analysis
8) أداة تقنية دلفي Delphi method
9) التحليل الموروفولوجي Morphological Analysis
10) التخطيط بالسيناريو Scenario Planning
11) تحديد المعالم المستقبلية Sign-Posting
12) التحليل المستقبلي العكسي Back-Casting
13) سلسلة الخيارات Choice Cascade
14) اختبار الجاهزية Stress Testing
15) تقنية دولاب المستقبل (Futures Wheel)
بالإضافة إلى إجراء عمليات التحليل، بناءً على الدراسات التي تتم عادة على البيانات المتاحة في الزمن الحاضر والتحليل لتحديد التوجهات والمحركات المحتملة في المستقبل. والتي تتم من خلال خمس خطوات أو مراحل لا بد أن تتضمن في أي مبادرة لاستشراف المستقبل.