مفهوم الدائرة الذهبية Golden circle
يستمد هذا المفهوم مفرداته وخصائصه من مبدأ قانون خلق/ إنتاج الابتكار Law of diffusing innovation، في شكل دائرة ذهبية عن كيفية إنتاج ونزع الأفكار الابتكارية من الأفراد للإستفادة منها في بناء خطط تسويقية مبتكرة للمؤسسات والمنظمات ووحدات العمل المتنوعة، كما يمكن استخدامها في حالة المعاملات الفردية، وقد توصل إليها سايمون سنيك (Simon Sinek) بعد إجراء عدة أبحاث ودراسات لأشهر المؤسسات والشركات العالمية، ودراسة السير الذاتية لبعض القادة والمشاهير الذين يتميزون بابتكاراتهم وانفردوا بملكة الإبداع عند تنفيذ أي شيء أو عمل من الأعمال في مجال المعارف والإنتاج والتطبيق.
لتوضيح هذا المفهوم إليك
أولاً : هذا السيناريو؛ عند صياغة رسالة تسويقية ناجحة
مخاطبة المشاعر الإنسانية
تخيل يوماً يستيقظ فيه الناس كل يوم، ويشعرون فيه بالأمان أثناء وجودهم في أعمالهم أو عندما يعودون منها إلى ديارهم ليقضوا ما بقي من ساعات يومهم مع أسرهم وعائلاتهم، سعيدين أنجزوه من أعمال، ناجحين، بهيجين، مسرورين، متصالحين مع أنفسهم، يوماً يكون فيه الناس جميعاً سعداء من حولهم وفي بيئة مجتمعاتهم، وهم يشعرون بأنهم ساهموا في شيء يعود فائدته لمن حولهم بقيمة أكبر مما لأنفسهم. عمل صالح قدموه تجاه الآخرين والحياة والمجتمع، إيجابيين بما يقومون به وينجزونه من أعمال ومهام إدارية أو إنتاجية في أعمالهم طوال ساعات العمل، يوماً خالياً من ضغوط العمل، يوماً مفعماً بالنشاط والحيوية، يتمتعون فيه بالتوفيق ويشعرون فيه بالسعادة، مثل هذا اليوم هو كل ما يتطلع إليه الناس في حياتهم. وخاصة الناجحون منهم.
توضيح الكيفية والمواصفات أو الخصائص
هناك بعض المفاهيم والأدوات والآليات التي تساعد مثل هؤلاء الناس على معايشة هذا اليوم، إذا امتلكوا تلك المفاهيم والأدوات واستخدموها في حياتهم، وهي عبارة عن آليات ومفاهيم حديثة تعزز من إنتاج المزيد من الأفكار الابتكارية ونزع وخلق المهارات المكتسبة على المستويين الشخصي والمؤسسي.
لتشكل الإلمام بها وتطبيقها
وسائل وأدوات ينتهجها الأفراد في حياتهم الشخصية أو منظومة لممارسات مؤسسية
عامة. بعد أن باتت هذه المفاهيم عناوين
تتصدر أحدث متطلبات الإدارة الراشدة وبنوداً لأولويات تحقيق التميز والريادة للمؤسسات العامة والخاصة.
نلاحظ هنا أن الرسالة التسويقية مازالت مبهمة وغير واضحة المعالم، ولم تذكر أي شيء أو أمر يدل على مقاصدها، أو غايتها وأسبابها التي تود توصيلها للطرف الآخر.
التصريح بنوعية المنتج أو الخدمة
نسعى جاهدين إلى توفير عدد من دوراتنا النوعية وتقديمها لعملائنا الكرام متحملين مسؤولية أن تكون هذه الخدمة متميزة، ومحتوى دوراتنا ميسرة وسهلة على الفهم والادراك، يدفعنا إليها دفعاً، قدراتنا الذاتية التي نتمتع بها والمستوحاة في الوقت نفس من خبراتنا الممتدة في هذا المجال الحيوي، مستفيدين من مهاراتنا المكتسبة مع قيمنا الراسخة تجاه، تبني وتطبيق الحد الادنى من المفاهيم والأدوات والنظم والتقنيات الضرورية التي نود توصيلها لعملائنا، والتي تعمل بالطبع على تيسير الحياة من حولنا.
وذلك في سبيل خلق هذه الأدوات والآليات من أجل إلهام الناس ومساعدتهم في بناء اليوم الذي يتطلع إليه الناس، مع تعزيز قدراتكم على تحقيق الحد الأدنى من مستويات السعادة على المستوى الفردي والتنافس ومعالجة تحديات البقاء للمؤسسات بشكل عام. وارتباط هذه القدرات المكتسبة مع متطلبات أفضل الممارسات العامة ونظم الإدارة الراشدة والحوكمة المؤسسية وماهياتها على المستويين الفردي والمؤسسي.
ثانيا : نفس السيناريو بالطريقة التقليدية
بالعودة إلى مفهوم الدائرة الذهبية (Golden circle ) نجد أنه مفهوم يعتمد
على أن طرق تفكيرنا وتواصلنا أو نظرتنا للأمور يجب أن تعتمد على حقيقة واقعية
تراعي طبيعتنا وللفطرة التي فطرنا عليها الخالق عز وجل ألا وهو طبيعة عمل المخ
داخل أدمغتنا البشرية، أي الانطلاق وبكل سرعة من أكثر الأمور تشويقاً وحميمية إلى
أكثرها وضوحاً وليس العكس. أي من الداخل (مركز الدائرة) متجهاً نحو الخارج (محيط
الدائرة) كما بالشكل أدناه.
مفهوم الدائرة الذهبية (Golden circle )
ماذا : WHAT
معظم المؤسسات والأفراد على كوكب الأرض تعمل وفق بديهيات تقليدية تعتمد على معيار أو منظومة (ماذا ؟ What)– تجاه المنتجات التي يبيعونها أو الخدمات التي يقدمونها للعملاء والتعريف بها بشكل محدد. وهي عبارة عن مجموعة من البيانات الأولية، قد تشكل وصفاً دقيقاً في رسالتها التسويقية لتلك المنتجات والممكنات التي تستحوذ عليها وتتميز بها،
أي أن الحديث حول قدراتي (كموسسة أو فرد) في خلق وإنتاج منتجاتي وتقديم خدماتي، أو ذكر المميزات والخصائص التي تنفرد بها منتجاتي وخدماتي. وهنا نجد أن العميل مهما كان منبهراً بصفات منتجاتك وخدماتك، إلا أنه غير مهتم بتلك الخصائص ولا يعني أن حديثك سيدفعه لشراء منتجك, أو طلب خدمتك. لأي سب من الأسباب،
كيف : HOW
بينما نجد أن البعض الآخر من المؤسسات والأفراد، قد يكتفون بعرض الممكنات المتوفرة أو المكتسبة لديها من خصائص طبيعية أو قدرات ذاتية تنفرد بها بين مواردها البشرية؛ وذلك من خلال أجوبة ذات صلة بالسؤال المحوري كيف ؟ أي صياغتها في رسالتها التسويقية بالكيفية "كيف – How " التي تتميز بها المؤسسة وتبرزها لتوفير تلك المنتجات أو الخدمات للجمهور أو العملاء.
حتى وإن كانت الأهداف الكامنة من ورائها مختلف حولها بين البائع والعميل، والتي تدور عادة حول غايات مستترة، تتمحور حول طبيعة الاستحواذ، والتملك وإيجراء صفقة رابحة من قبل المستفيد. وتظهر هذه الغايات في وجوه الربح المادي أو المعنوي من عمليات البيع بكميات أكبر. وتنسف العلاقة والمشاركة بين الطرفين. أو ما إذا كان الغرض الرئيس منها مقيد بعدد من الأهداف "نريد بيع المزيد لزيادة أرباح المؤسسة / تعزيز سمعة وقيمة الأسهم / عرض المؤسسة للإكتتاب العام / طلب تمويل مالي للتوسع / تنافس غير شريف تجاه المؤسسات المنافسة"
لهاذا تقوم تلك المؤسسات بالتعريف بها والتركيز
عليها وعلى مدى خبراتها التراكمية المكتسبة تجاه كل عمل ما تقوم به من مهام أعمال
خدمية أو منتجات، معتقدة منها أن هذه الأشياء تجعلها متميزة عن منافسيها، ولكن
مثلها مثل سابقتها ، هيهات مع طبيعة
الأسواق، وما يسعى إليه عميل اليوم من التشارك والتعاون الفعال مع المنتجين وموفري الخدمات.
لماذا : WHY
بالرجوع مرة أخرى إلى الشكل السابق، وكما يحثنا سايمون سنيك (Simon Sinek) صاحب هذ المفهوم ؛ البدء بكل ما يعزز أو يعضد فكرته على معرفة السبب (لماذا؟ – Why? ) وذلك من منطلق أن السبب (Why?) عادة ما يكون مسألة مصيرية لتحديد أي هدف معين في الأعمال أو المعاملات، خاصة أن عدد قليل جداً من المؤسسات والأفراد هم فقط من يستطيعون تحديد ما إذا كانوا ينجزون أعمالهم في نطاق أهداف وأسباب متعلقة بما يقومون به من عمليات وإجراءات.
وأن الربح أو العائد المالي ليس من مقاصد العمل الذي يستهدفونه كنتيجة حتمية للأعمال. بل يجب أن يشكل معتقد "السبب" للمؤسسات والأفراد غايات مشتركة يتم مشاركتها مع مشاعر وآمال العملاء. مما يساهم بشكل مباشر على نجاح وريادة هذه المؤسسات ويحقق بها بعض الأفراد تميزهم وتفردهم دون الآخرين.
وهو نفس النمط التفكيري الذي يتخذه معظم القادة الملهمون (المبدعون والمبتكرون) والمنظمات أو المؤسسات الملهمة والمتميزة في هذا العصر، كأفضل وسيلة للابتكار وإنجاذ العمل وإطلاقه بمزيد من الجودة والإبداع، وذلك عكس الشائع من وسائل أو سيناريوهات للتسويق لدى معظم الناس والشركات.
فنجد على سبيل المثال أن معظمنا يتحدث بلغة واضحة تتفق بما يحاول سايمون نسفها وتغيرها من جذورها، ذلك عندما تنطلق اهتمامات الشخص (سواء أكان مرسلاً أو مستقبلاً للرسالة التسويقية) من خارج الدائرة الذهبية إلى داخلها، (والتي تتخذ من اللغة والأرقام قاعدة للإقناع) .
فإذا كانت هناك مؤسسة ما، تريد أن تعبر عن نفسها وتوجهاتها ومنتجاتها في رسالتها أو رسائلها التسويقية مستعرضاً قوتها وكفاءتها على توضيح نوعية السلعة أو الخدمة التي تقدمها ، فهي بذلك قدمت الحديث عن نفسها مغلفة بـالإجابة على سؤال (ماذا نريد أو ماذا نفعل وماذا نقدم؟ What?) .
ثم تبدأ بالحديث عن ظروف واحتمالا توفير تلك المنتجات أو الخدمات بالإجابة على سؤال (كيف نحن الأفضل أو الأقوى؟؟ ?How ) ، دون توضيح الأسباب الكامنة من وراء إنتاج وتقديم هذه المنتجات أو الخدمات، وهي الأجوبة التي من خلالها يتم توضيح ومخاطبة المشاعر وتوحيد الأهتمامات (لماذا؟ Why?).
إذا إتبعت المؤسسة السياسة السابقة، قد لا يحالفها الحظ للتفرد أو التميز، وهما العاملان الوحيدان اللذان يؤكدان الريادة لأي مؤسسة ويؤهلانها للتنافس والبقاء ضمن احتمالات السوق والنمو رغم تقلباته.
ثالثاً : نفس السيناريو وفق مفهوم الدائرة الذهبية
أما إذا اتخذت نفس هذه المؤسسة وأعادت طريقة (أو وسيلة) تفكيرها وتواصلها بحيث تبدو رسالتها التسويقية منطلقة من داخل الدائرة إلى محيطها الخارجي، وفق القاعدة التي تنص على أن العملاء عادة لا يشترون ما تقوم به، بل يشترون ويتعاملون معك من مبدأ لماذا تقوم بما تقوم به أو تقدمه لهم. أي الاهتمام بأكثر الأمور والأهداف أو التحديات المشتركة، لأنهم أي العملاء لا يقومون بشراء منتجاتك أو طلب خدماتك من أجل أعمالك وقدرتك أنت أو قدرتك المثالية على إنتاجها أو تقديمها فقط وإنما يشترونها لحاجتهم لها وإيمانهم بها أو عند الشعور بأهميتها لديك بنفس القدر على الدوافع الداخلية والميل والانحياذ لمشاركتك لهم واحساسهم بأن تشاركهم معك سيتلقى نفس الأهمية والضرورة أو لنفس التحديات والأهداف المشتركة بين الطرفين، بل قد يمتد هذا الاحساس ليشمل اتفاقهم وقناعتهم لما يؤمن به كل فرد من الأفراد العاملين بالمؤسسة، باعتبارهم ممثلين شرعيين وأصول بشرية للمؤسسة.
وهي بمثل تلك الاهتمامات المتعلقة بالدوافع الحميمية المشتركة في مجتمعاتنا، التي تخاطب الوجدان مباشرة، وهذا يتفق لما تم ذكره من قبل أثناء حديثنا عن فلسفة العلاقة بين محوري التأثير في أن الله تعالى يحثنا وجوباً على العمل والحراك الإنساني من الأسمى إلى الأدنى ... من التأثير الروحي (الأسمى - الفطرة الإلهية) إلى تأثير الوسط المادي أو الجسدي (الادنى) . وهو ايضاً ما يتفق ويتناغم مع قانون الجذب الذي يدعو إلى العمل منطلقين من الفكرة (التي مصدرها إدراك العقل) إلى الشيء (الحسي) وليس من ذاك الشيء إلى الفكرة...بمعنى آخر اتخاذ القرار بناءً على إعمال العقل والإدراك الداخلي به قبل توجيهه للسيطرة على كل مادي دوني أو خارجي.
علاقة الدائرة الذهبية بالهوموسآبين
جد بعد تشريح مقطع عرضي لدماغ الإنسان العاقل (الهوموسآبين) أن الدائرة الذهبية تتفق مع كيفية التفكير لدى جميع الناس، وهي نفس طريقة تفكيرهم عند اتخاذهم للقرارات وفق استراتيجيات التسويق والمبيعات، فقد توصل العلماء إلى أن طريقة التفكير في الحالتين تتم وفق الطبيعة البشرية، وليس وفقاً لإمكانياتنا وقدراتنا التي نتمتع بها أو تتمتع بها المؤسسات،
حيث وجد أن الدماغ كذلك مقسم إلى ثلاث قطاعات رئيسية
- الدماغ الأمامي
- الدماغ في منطقة الوسط
- الدماغ الخلفي
مما يجعله متناغماً تماماً مع الدائرة الذهبية، فقشرته الخارجية هي التي تمثل دائرة ماذا نريد ؟ (What?) أو القدرات والمميزات التي نتمتع بها (الفرد أو المؤسسة)، وقشرته الوسطية هي التي تتولى مسؤولية كيف يمكنني القيام به؟ (How?) أو الحركات، والعمليات والأنشطة التي تقدمها المؤسسة، أما قشرته الخلفية أو الداخلية فهي تلك المسؤولة عن الأفكار المنطقية والعقلانية لماذا أفعله أو أقوم به؟ (Why?) والعواطف كالثقة والولاء.
لذلك فهي أكثر القطاعات المعنية في اتخاذ
القرارات والمقارنات المشتركة، لأنها عندئذ تكون نتاج المشاعر المشتركة والسلوك
المتوقع للظهور. فهي لذلك تزيد من فرص تبني الابتكارات والإقناع في حالتي المبيعات
والتسويق وبالتالي استحواذنا على المستوى الفردي أو المؤسسي على أفضل النتائج
وتحقيق أعلى مستويات النجاح والتفوق والتميز.
+971507363958